الجمعة 15 صفر 1442 هـ

الموافق 2 أكتوبر 2020 م

 

الحمد لله خالق كل شيء، ورازق كل حي، أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، وكل شيء عنده بأجل مسمى، نحمده سبحانه ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره وهو بكل لسان محمود، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو الإله المعبود. ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الركع السجود، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود.

أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: علاقة المسلم بأخيه المسلم، أُسِّسَتْ في شريعة الله تعالى على الأخوة والمحبة والمودة والتراحم والتعاطف، يقول تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) فكل ما يحقق الأخوة ويزيد في المحبة بين المسلمين فإن الإسلام قد جاء به، وحضت عليه الشريعة الإسلامية، ورُتب عليه من المثوبة بحسبه. وكل ما يعكر صفو الأخوة بين المسلمين، ويؤدي إلى الاختلاف والفرقة والتقاطع والتدابر، نهى عنه الإسلام، وسدّ الطرق المفضية إليه، وله في الشريعة من العقوبة الدنيوية والأخروية ما يناسبه؛ وذلك من أجل أن يكون المسلمون عباد الله إخواناً، ويتعاملون بالحسنى فيما بينهم، فلا يجدُ الشيطان مدخلاً على قلوبهم لإفسادها، وملئها بالعداوة والشحناء والدغل والضغينة.

عباد الله: ومن أعظم ما يكون سبباً في فساد القلوب، وتغير النفوس، وانقطاع الأواصر، وقطيعة الرحم، وانفصام عرى الأخوة، وزوال المحبة والمودة سوءُ الظن بأخيك المسلم، بلا سبب يوجبه، ولا بينة تدل عليه. وهو البداية التي يبدؤها الشيطانُ مع العبد، فإن استسلم له عمل بموجب ظنونه التي وسوسها الشيطان في صدره، وقاده ذلك إلى كبائر الذنوب، وعظائم الأمور، من التجسس إلى الغيبة والنميمة، والكذب والبهتان والزور، وإشاعة الفاحشة في الأبرياء؛ وكل ذنب منها أعظم من صاحبه، وهي ظلمات بعضها فوق بعض… وقد أمر الله تعالى باجتناب كثير الظن؛ احترازاً من الوقوع في الإثم: يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ )

ويقول صلى الله عليه وسلم: إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَديثِ، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تَنافَسُوا، ولا تَحاسَدُوا، ولا تَباغَضُوا ولا تَدابَرُوا وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا.

قال القرطبي رحمه الله: المراد بالظن هنا التهمة التي لا سبب لها؛ كمن يتهم رجلاً بالفاحشة من غير أن يظهر عليه ما يقتضيها؛ ولذلك عُطف على (وَلا تَجَسَّسُوا) وذلك أن الشخص الذي يقعُ له خاطرُ التهمة فيريد أن يتحقق، فيتجسس ويبحث ويستمع فنهي عن ذلك، وهذا الحديث يوافق قوله تعالى: (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ، وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) فدل سياق الآية على الأمر بصون عرض المسلم غاية الصيانة؛ لتقدم النهي عن الخوض فيه بالظن، فإن قال الظانُّ: أبحث لأتحقق؛ قيل له: (وَلا تَجَسَّسُوا)، فإن قال: تحققت من غير تجسس؛ قيل له: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً). أنتهى كلامه رحمه الله.

عباد الله:  وإذا اعتبرت الظنون، واستمع إلى مُصدِّريها؛ فشت الشائعات، وانتشرت الغيبةُ والنميمة، وأُخذ البُرَآءُ بمجرد الظنون والأوهام؛ فيتولد عن ذلك الأحقاد والضغائن، والانتقام والثارات، وحينئذ لا يأمن الناس على أنفسهم! فإن سلموا من الوقوع في الظن السيئ بإخوانهم، واتهام الأبرياء بمجرد الظنون، لم يأمنوا من أن يُلصق بهم ما ليس فيهم. من أجل ذلك نُهي رأس القوم من رئيس أو وزير أو مدير أو مسئول، عن الاستماع إلى نقلة الكلام، والمتفكهين بالأعراض، الذين ليس لهم من البضاعة إلا القيل والقال، والظنون والأوهام؛ لئلا يصيبوا بريئاً بشر، وحتى لا تربح سوق الكلام والشائعات؛ فإن كثرة الطلب تزيد في العرض؛ فإذا ما استمع لأهل الظنون كثر العارضون لبضاعتهم الرديئة في أعراض الناس، وحصل للشيطان ما يريد من التحريش بين العباد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الأميرَ إذا ابتغى الرِّيبةَ في النَّاسِ أفسَدَهُم) وقال عليه الصلاة والسلام: لأحد أصحابه: إنك إن اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ المسلمين أفْسَدْتَهُم، أو كِدْتَ أن تُفْسِدَهُم)

أيها المؤمنون: إن الشريعة الغراء جاءت بحسم مادة الشر بين الناس، وإغلاق الأبواب الموصلة إلى العداوة والبغضاء، وإخراس الألسن التي تلوك الأعراض؛ فلا يقبل قذفٌ إلا بشهود عدول، يرون الفاحشة صراحة بلا لبس ولا غموض، وإلا كان الحد في ظهورهم ثمانين جلدة… ولما وقع من وقع في الإفك وخاض في عرض الصديقة الطاهرة أم المؤمنين عائشة  رضي الله عنها من خاض فيه؛ حدَّهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم من صالحي المؤمنين، وعاتبهم الله تعالى فقال:(لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد داخلته الريبة في امرأته، وأحاطت به ظنون السوء فيها؛ لأنها ولدت غلاماً أسود على غير لونه ولونها، فأزال النبي صلى الله عليه وسلم ما في قلبه من ظن وريبة بسؤاله عن لون إبله، فقال: ألوانها حمر. قال: هل فيها من أورق؟ (أي أسمر) قال: نعم، قال: فأنى ذلك؟ قال: لعله نَزَعهَ عرق، قال: (فلعل ابنك هذا نَزَعَه عرق) إن الواجب عباد الله على المسلم أن لا يظن بإخوانه إلا خيراً، فإن وقع في قلبه شيءٌ من الظن حرم عليه العمل بموجب ظنه هذا، فلا يتجسس ولا يتكلم في عرض أخيه، فإذا لم يعمل بموجب ظنه، وأمسك عن العمل والكلام، فإن ما وقع في قلبه معفي عنه؛ لعجزه عن دفعه، فالقلوب لا يملكها إلا الله تعالى، قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: (الظنُّ ظنَّان: ظنٌّ فيه إثم، وظنٌ ليس فيه إثم؛ فأما الظن الذي فيه إثم فالذي يتكلم به، وأما الظن الذي ليس فيه إثم فالذي لا يتكلم به).

إن الواجب على المسلم أن يُدافع ما يقع في قلبه من ظنون على إخوانه، ويغالبها، ويخرجها من قلبه؛ حتى يكون قلبه سليماً على إخوانه المسلمين، فأسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب، فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءاً إلا إذا انكشف لك بعيان لا يقبل التأويل، وليس له مخرج من المخارج، فعند ذلك لا يمكنك أن تعتقد إلا ما علمته وشاهدته، وما لم تشاهده بعينك، ولم تسمعه بأذنك، ثم وقع في قلبك فإنما الشيطان يلقيه إليك، فينبغي أن تكذبه؛ فإنه أفسق الفساق، وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)

وإن كان ظنك بأخيك ناشئاً عن كلام نقل إليك فالواجب عدم تصديق الناقل بلا بينة، وناقل الكلام بين الناس نمام أو مغتاب، فهو فاسق لا يُقبل قوله، ويجب نصحه. وإن وقع الظنُ بسبب عمل أو كلمة محتملة قالها أخوك المسلم فلا تحملها على السوء ابتداءً وأنت تجد لها في الخير مخرجاً؛ لأن الأصل سلامةُ المسلم، فلا يُعدَل عن الأصل إلا بيقين أو غلبة ظن، وهو ما لا تفيده كلمة محتملة. قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا يَحل لامرئٍ مسلمٍ سَمعَ مِن أخيه كلمةً، أنْ يَظُنَّ بها سوءاً، وهو يَجدُ لها في شيءٍ مِن الخير مصدراً). وقال سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى: (كتب إليَّ بعض إخواني من أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم: أن ضعْ أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظننَّ بكلمةٍ خرجت من امرئ مسلم شراً وأنت تجد لها في الخير محملاً)

أيها المسلمون: كما نُهي المسلم عن الظن الباطل بأخيه المسلم، فهو منهيٌ كذلك عن الأعمال والأقوال التي تجعله محل التهمة، وتورد ظنون السوء فيه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ)، ولما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجه صفية ليقلبها (يردها و يمشي معها) إلى البيت من معتكفه، ورآه رجلان فأسرعا قال عليه الصلاة والسلام: علَى رِسْلِكُما (مهلكما)، إنَّما هي صفيَّة بنتُ حُيَيٍّ، قالا: سبحان الله يا رسول الله، ـ وكَبُرَ عليهِما (عظُم و شقّ) ما قال ـ، قال صلى الله عليه وسلم: إنَّ الشَّيطان يَجْري مِن ابنِ آدَم مَبلَغ الدَّم، وإنّي خَشيتُ أنْ يَقذِف في قُلوبِكُما سوءاً -أو قال- شيئاً) يقول أهل العلم رحمهم الله: (وهذا متأكَّد في حق العلماء ومن يُقتدى بهم، فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلاً يوجب سوء الظن بهم، وإن كان لهم فيه مخلص؛ لأن ذلك سببٌ إلى إبطال الانتفاع بعلمهم، وقد قالوا: إنه ينبغي للحاكم أن يبين وجه الحكم للمحكوم عليه إذا خفي عليه، وهو من باب نفي التهمة بالنسبة إلى الجور في الحكم)

عباد الله: وأُمر المسلم إذا سافر في رمضان وأفطر أن لا يجاهر بفطره أمام الناس لئلا يُظن به سوءاً، وإذا صلَّى وحضر الناس وهم يصلون فإنه يصلي معهم مرة أخرى؛ لئلا يُظن به السوء أيضاً، فعن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلامٌ شاب، فلما صلى إذا رجلان لم يصليا في ناحية المسجد، فدعا بهما رسول الله؛ فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال: (ما منعكما أن تصليا معنا؟! قالا: قد صلينا في رحالنا (أي في بيوتنا). فقال: لا تفعلوا، إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل فليصل معه، فإنها له نافلة) ومن كان مجاهراً بالمعاصي، مظهراً لفسقه، معلناً منكراته، فليس له حرمة، والأصل فيه التهمة لقلة دينه وحيائه، فلا بد من الإنكار عليه بالحسنى، والتحذير من فجوره ونصحه حتى يتوب من ذنبه ويقلع عن غيه.

أيها المسلمون: في زمن الفتن تكثر الأقاويل، وتسري الإشاعات في الناس، وتروج سوق أهل الريب والظنون الفاسدة، ويُظن بأهل الخير والصلاح ما ليس فيهم؛ فتُلاك أعراضهم، ويقع الناس في غيبتهم! وإن كان في بعضهم ما يلصق به فليس من النصيحة التشهيرُ والتعييرُ، وتناقل العثرات، وتسليط الضوء على الزلات.

ألا فاتقوا الله عباد الله وظنوا بإخوانكم خيراً، وإياكم ووساوسَ الشيطان وخطَراتِه وخُطُواتِهِ! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)

نسأل الله تعالى أن يحفظنا والمسلمين من وساوس الشيطان، ومن القيل والقال، وأن يجعل قلوبنا سليمة على إخواننا المؤمنين، إنه سميع مجيب الدعاء.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله المنعم على عباده بعظيم آلائه، نحمده سبحانه على تعاقُبِ نعمائه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، أفضل رسله وخاتم أنبيائه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلمون: إن الواجب على كل مسلم، أن يحسن الظن بإخوانه وبالناس عموماً، ولا يسيء الظن فيهم، وينظر إليهم بعين التفاؤل، التي تلمح الخير فيهم وتنشره، وتغمض عن جانب الشر وتستره، مع دوام النصح لهم بالحكمة والموعظة الحسنة وبالتي هي أحسن. يقول صلى الله عليه وسلم: (إِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ: هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ أو أَهْلَكَهُمْ) لأن هذا من باب إطلاق العنان للسان يفري في أعراض الناس بلا خجل أو ورع… فيا أيها المؤمن، سارع إلى التصون لنفسك، والتحفظ لقلبك، وإِنْمَاءِ جانب الخير فيك، ولا تعامل الناس إلا بمثل ما تريد أن يعاملوك به، حينها تعرو نفسَك الراحة، وتملأُ جوانحَك السعادة، وتغمرُ حياتَك الطمأنينة. فعَن ابْنِ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ: شَتَمَ رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: إِنَّكَ لَتَشْتُمُنِي وَفِيَّ ثَلاثُ خِصَالٍ: إِنِّي لآتِي عَلَى الآيَةِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَوَدِدْتُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَعْلَمُونَ مِنْهَا مَا أَعْلَمُ مِنْهَا. وَإِنِّي لأَسْمَعُ بِالْحَاكِمِ مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ يَعْدِلُ فِي حُكْمِهِ فَأَفْرَحُ بِهِ، وَلَعَلِّي لا أُقاضِي إِلَيْهِ أَبَداً. وَإِنِّي لأَسْمَعُ بِالْغَيْثِ قَدْ أَصَابَ الْبَلَدَ مِنْ بِلادِ الْمُسْلِمِينَ فَأَفْرَحُ وَمَا لِي بِهِ مِنِ سَائِمَةٍ). هكذا المسلم، يدفعه حسن ظنه أن يفرح لفرح إخوانه، وأن يحزن لحزنهم، لا يبغضهم، ولا يحسدهم ويتمنى زوال نعم الله عليهم، ولا يتجسس عليهم ليفضحهم ولا يخاصمهم ليشمت بهم.

وصح في الحديث أن رجلاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قد جُلدَ بسبب شربه للخمر، فأتي به يوماً، فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم  اللهم ألعنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال صلى الله عليه وسلم: لا تلعنوه، فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله.

الله أكبر، حتى والمسلم يجلد في حد من حدود الله لا يساء به الظن، ولا يسب أو يلعن فالله تعالى أعلم بخفايا القلوب والضمائر.

قَدِمَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو رضي الله عنه،  عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ دَوْساً قَدْ عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا. فَظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ يَدْعُو عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أهد دَوْساً وَأْتِ بِهِمْ) وهذا يدل على مدى حلمه ورحمته ورفقه وشفقته صلوات ربي وسلامه عليه حتى مع الكافرين، فكان أن جاؤوا مسلمين.

كان العالم الزاهد معروف الكرخي رحمه الله قاعداً يوماً على نهر دجلة ببغداد، فمر به صبيان في زورق يضربون بالملاهي ويشربون، فقال له أصحابه: أما ترى هؤلاء يعصون الله تعالى على هذا الماء؟ ادع عليهم. فرفع يديه إلى السماء وقال: إلهي وسيدي، كما فرحتهم في الدنيا، أسألك أن تفرحهم في الآخرة. فقال له أصحابه: إنما سألناك أن تدعو عليهم، ولم نقل ادع لهم. فقال: إذا فرحهم في الآخرة، تاب عليهم في الدنيا، ولم يضركم هذا بشيء. هكذا يجب أن يكون قلب المصلح مليئاً بالشفقة والرحمة كالطبيب الذي يريد أن يعالج المريض، وهل يكون ذلك وقلبه يغلي بالكره والحقد عليه..

وهذا الصحابي الجليل أبو دجانة رضي الله عنه، دخلوا عليه في مرضه ووجهه يتهلل، فقالوا له: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: (ما من عملِ شيءٍ أوثقَ عندي من اثنتين: كنت لا أتكلَّم فيما لا يعنيني، وكان قلبي للمسلمين سليماً).. لذا فإنه لا ينبغي للمسلم أن يلتفت كثيراً إلى أفعال الناس، يراقب هذا، ويتابع ذاك، ويفتش عن أمر تلك، بل الواجب عليه أن يقبل على نفسه فيصلح شأنها، ويقوم خطأها، ويرتقي بها إلى مراتب الآداب، والأخلاق العالية، فإذا شغل نفسه بذلك، لم يجد وقتاً ولا فكراً يشغله في الناس وظن السوء بهم.

نسأل الله أن يرزقنا سلامة الصدور، وأن يعيذنا من سوء الظن ومن المهالك والشرور وأن يهدينا لصالح الأعمال والأخلاق.

اللهم أهدنا لأحسن الأخلاق؛ لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنَّا سيئها؛ لا يصرف عنَّا سيئها إلا أنت.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين،اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.. اللهم أكتب الصحة والعافية والشفاء العاجل لسمو رئيس الوزراء خليفة بن سلمان ورده إلى وطنه سالماً معافى ياذ الجلال والإكرام.

اللهم وفِّق المسئولين في فريق البحرين الوطني ورجال جيشنا وأمننا، وصحتنا وإعلامنا وجميع المتطوعين، اللهم اجزهم خير الجزاء وأوفاه، على ما قدموا للبلاد والعباد، يا ذا الجلال والإكرام…اللهم أرفع البلاء والوباء عن بلادنا وبلاد المسلمين وبلاد العالم أجمعين.

اللهم إنا نسألك في هذا اليوم المبارك، أن تغفر وترحم سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، وتتغمده بواسع رحمتك، وتدخله الجنة مع الصالحين الأبرار، وأن تجزيه خير الجزاء على ما قدمه لدينه ووطنه وشعبه وأمته، وأن تجعل ذلك في موازين حسناته، وأن تلهم أهله وذويه وآل صباح الكرام والشعب الكويتي الشقيق وأهل الخليج الصبر والسلوان، وأن توفق سمو الأمير نواف الأحمد لكل خير وتجعله خير خلف لخير سلف إنك سميع مجيب الدعاء.. اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين  في كل مكان ناصراً ومؤيداً، وانصرهم على عدوك وعدوهم يارب العالمين..  اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله وأطلق قيده، وفك أسره، وأحي في قلوب المسلمين والمؤمنين حبه ونصرته واجعله شامخاً عزيزاً إلى يوم الدين… اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا، واشف مرضانا واشف مرضانا وارحم موتانا وعلمائنا وارحم والدينا برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ. (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ  وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

             خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين